لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
51284 مشاهدة
سؤال هرقل عن تقليد النبي صلى الله عليه وسلم غيره في ادعاء النبوة

...............................................................................


ثم سأله السؤال الثالث: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فقال أبو سفيان لا.. ما ذكر أن أحدًا من قريش ولا من العرب ادعى النبوة، ولا قال مثل هذه المقالة التي دعا إليها، وهي دعوة الناس إلى التوحيد، ودعوة الناس إلى الإيمان بالله، وقال: إني نبي يُوحَى إِلَيَّ، ما قال ذلك أحد قبله، فقال هرقل: لو كان قال ذلك أحد قبله، لقلتُ: رَجُلٌ يَتَأَسَّى بقول قد قيل قبله، رجل يَتَّبِعُ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الذين قالوا: إنهم أنبياء، وادعوا النبوة، ولم يكن أحد قال ذلك من العرب، ولا عُرِفَ أَحَدٌ ادعى ذلك، فلما انفرد بذلك عُرِفَ بأنه لم يكن له دافع يدفعه إلى هذه المقالة، فعرف بذلك أنه صادق فيما قاله.
ثم لما أنه عليه الصلاة والسلام أظهره الله، ونصره ادعى بعض المتنبئين أنهم أنبياء، وأنهم ينزل عليهم الوحي، وتمكن بعضهم، فكان ممن ادعى النبوة مسيلمة مسيلمة أظهر أنه نبي، وكان قد وفد مع وفد بني حنيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا إلا هو، فإنه قال: إن جعل لي محمد الأمر من بعده بايعته !! يعني إذا جعل لي النبوة، أو جعل لي الملك من بعده بايعته، وأسلمت، فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، فقال: لو سألتني هذه العصا ما أعطيتكها! ولئن ذهبت ليهلكنك الله، وما أظنك إلا الرؤيا التي رأيتها يقول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت في يدي سوارين من ذهب، فَأَهَمَّنِي في المنام أَمْرُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ في المنام أنِ انفخهما! فنفختهما، فطارا، فَأَوَّلْتُهُمَا: كَذَّابَيْنِ، وهما صاحبُ صنعاء وصاحبُ اليمامَة .
فصاحب اليمامة هو مسيلمة فإنه رجع، وجعل يَدَّعِي أنه نبي، وصَدَّقَهُ بعض الجهلة من بني حنيفة، ومن ربيعة، وكانوا يتوافدون إليه.. يعلمون أنه كذاب، ولكن بعضهم يتعصب، حتى قال بعضهم: كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضَر! لأن ربيعة -يعني قبيلة ربيعة- ربيعة بن نزار منهم مسيلمة ومضر بن نزار منهم قريش، منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبينهم منافسة؛ بين ربيعة ومضر. فالحاصل في هذا أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا لَمْ يُبَايِعْهُ عرف بأنه سيكون له أمر، وأنه سيدعي النبوة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم بايعه خلق كثير، حتى زادوا عن مائة ألف من ربيعة، ومن مضر، ومن غيرهم، واشتهر أمره.
وقبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عمرو بن العاص أنه وفد إليه -قبل أن يُسْلِمَ عمرو- فلما وفد إليه سأله: ماذا تحفظ مما أنزل على صاحبكم؟ فقال: لقد أنزلت عليه سورة قصيرة عجيبة، وقرأ عليه سورة العصر، ففكر مسيلمة قليلًا، ثم قال: لقد أنزل علي مثلها !! ما هي؟ قال: يا وبر يا وبر!! إنما أنت أذنان وصدر!! وسائرك حقر حقر!! كيف ترى يا عمرو ؟ فقال عمرو والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تَكْذِبُ !!! عَرَفَ أن هذا من الكذب، وأن هذا دليل على أنه يَتَقَوَّلُ.
ثم بعدما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر الذين بايعوه تنبأت امرأة من تميم، يُقَال لها سجاح وبايعها خلق كثير، وغزت إلى مسيلمة ولما وفدت إليه ومعها نحو أربعين ألف فارس خاف منها، ولكنه خدعها إلى أن دخلت تحت ولايته، واستسلمت له، وبايعته، وتزوجها، وانضم جيشها إلى جيشه، ولما اسْتُخْلِفَ أبو بكر رضي الله عنه أرسل جيشًا من المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقاتلوا قوم مسيلمة وقتل مسيلمة في أثناء المعركة، وبعد ما قتل مسيلمة تفرق من كان معه، ورجعوا إلى الإسلام. وأما سجاح فإنها أيضًا ادعت أنها نبية، وكانت أيضًا تدعي أنه ينزل عليها قرآن، وهو من جنس أقوال الكهنة، وذُكِرَ أنها أسلمت، ويقول فيها بعضهم:
وأما سجاح يـا جهـول فأسلـمت
وربـك تـواب علـى كل تـائب

وأما صاحب صنعاء فإنه رجل حبشي أو نحوه، يقال له الأسود العنسي من قبيلة هناك، ادعى النبوة، ولما ادعى النبوة وكان في نجران استولى على نجران ثم سار وصار يمشي في اليمن بلدةً بلدة، إلى أن استولى على تلك البلاد كلها، وبايعوه إلى أن استقر في صنعاء وكان هناك دعاة من الصحابة، فهربوا، لما أنه استفحل أمره هربوا إلى حضرموت كمعاذ وأبي موسى وعلي وعَمَّار ونحوهم، ثم إن هناك اثنين من المسلمين، عرفا أنه كذاب، وكانت امرأته أيضًا تعرف أنه كذاب، فوعدتهما على أن ينقبا الباب، ويدخلا خلف الجدار، ففعلا ذلك، فقتلاه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأيام قليلة.
وبكل حال هؤلاء تنبئوا بعده، بعد ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الله تعالى كَبَتَهُمْ وأَذَلَّهُمْ، ولم يبقَ لهم شوكة، ولم يبق لهم أتباع؛ وذلك لأنه ظهر كذبهم. فهكذا يظهر كَذِبُ من ادعى النبوة وليس بصادق، قد أخبر أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي بعده كذابون، يقول: لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي! وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي فيذكر بعض المشايخ أنه قد ظهر منهم سبعة وعشرون، ويمكن أن الثامن والعشرين هو غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند وصدقه خلق كثير، لا يزالون يعرفون بالقاديانية، فيكون قد ظهر هؤلاء الخلق الذين يَدَّعُون أنهم أنبياء، ولكن الله تعالى كَبَتَهُمْ، وأظهر دينه الذي أرسل به نبيه، وأنزل عليه قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .